تطغى التهنئة الإلكترونية على روحانية العيد، وتسيطر على أثمن اللحظات العائلية ألفة وحميمية، حيث تصادر فرحة العيد برسالة مجمدة عبر «الواتساب» أو صورة معايدة رمزية يتبادلها الأهل والأقارب والأصدقاء على منصات التواصل الاجتماعي، لتعوض عن الزيارات الاجتماعية التقليدية، التي بدأت تختفي من حياتنا، نتيجة جملة من الضغوط اليومية ومتغيرات الزمن المتسارع.
” بزوروا …. ما إلي جلد….. خلص خلص …. هلق ببعتلو واتس اب ” ” كتير هيك …. مش هيك؟؟”
فلم تعد التهنئة في الأعياد والمناسبات واجبة وجهاً لوجه، ويداً تسلم على اليد، طالما أن مواقع التواصل الإجتماعي وتطبيقات المحادثات الفورية تقتحم كل منزل لبناني وعربي، لتبدأ معها التغييرات في مفهوم التواصل والترابط الأسري بين إيجابي وسلبي، وليصبح لكل فرد في العائلة عالمه الإفتراضي الخاص، يقضي ساعات وأياماً من دون التواصل مع عائلته الموجودين أحيانا في الغرفة نفسها.
هذا الإهتزاز بالترابط العائلي ضرب أغلبية الأسر اللبنانية، بعد أن كان اللبنانيون يتسابقون على تهنئة أقاربهم واصدقائهم بحلول عيد الفطر، من خلال الزيارات والغدوات، فإذا بهم يرسلون رسائل نصية أو صورا وفيديوهات على مواقع الاجتماعي أو على تطبيقي “فايبر” و”واتساب”، وغدا الامر مبالغا فيه بسبب بعض المعايدات المستفزة والمتكررة لدرجة أن البعض يرسل المعايدة دون ان ينتبة ان أسم غيره مدون في اسفلها وهنا المصيبة الاكبر.
فهناك من يرى أنها وسيلة تبررها الغاية والغاية نبيلة بلا شك وهي مشاركة الآخرين فرحة العيد وهناك فريق يعتبرها مشاعر إلكترونية مُعلبة لا تحمل أدنى العواطف ولا الشعور بفرحة العيد لهذا استطلع موقعنا أراء الناس حول هذه الظاهرة ومنهم:
الإعلامي خضر عبوشي الذي أكد أن مفهوم هذة العلاقة قد تغير على مر السنين وذلك لسببين اساسيين أولهما دخول عنصر “السوشيل ميديا” على حياتنا اليومية مما اثر سلباً على الترابط الاسري وعملية التواصل داخل الاسرة الواحدة مما افقدنا جو العائلة الحميم كلياً….والسبب الثاني أنشغال الناس بظروفها المعيشية الاقتصادية وتأمين لقمة العيش مما افقدنا التلاحم الاسري نتيجة الضغوطات التي نعيشها يومياً. وعلى الصعيد الشخصي … أضاف خضر ما زلت احرص في معظم مناسبات السنة على زيارة الاهل والاقارب والاجتماع في اليوم الاول من رمضان وفي العيدين الفطر والاضحى بمنزل العائلة الكبير وسط كنف الجد والجدة الاعمام والعمات والاخوال وجميع الاقارب وذلك للحفاظ على صلة الرحم لانه من اساسيات الحياة رغم ضغوط وحكم العمل معظم الاحيان علي.
اما” م.المصري” الذي يقفل خطه وصفحاته على مواقع التواصل الإجتماعي قبل الأعياد بثلاثة أيام، وضح “بأن العيد هو لصلة الأرحام وتبادل الزيارات العائلية ولن أقبل بهذه الطقوس والعادات بأن تتراجع مع دخولنا عصر “السوشيل ميديا” الذي يحاول البعض نتيجة لتصرفاتهم بأن يحولوا الحضور بشكل شخصي لزيارات العيد وتبادل التهاني والعلاقات المباشرة بين أفراد العائلات الى التواصل الإفتراضي، فهذا الأمر يهدم العلاقات الاجتماعية ويضعفها””
ويضيف المصري: “أنا أستخدم مواقع التواصل الإجتماعي وأدرك جيدا بأنها سهلت الحياة المعيشية للناس وقلصت الفوارق الزمنية والمسافات بينهم، وليس لدي أي مشكلة بالتواصل مع الأصدقاء والأقارب القاطنين خارج البلاد، لكنني لا ولن أساهم بتراجع العلاقات العائلية والتي أحمّل مسؤوليتها لأي شخص يستخدمها لإبعاد المتقاربين والتفريق بينهم، إذ كادت أن تصبح المعايدات الشفهية نادرة، وأصبح البعض يكتفي بكبسة زر واحدة لإرسال رسالة مباركة العيد لجميع القائمة المسجلة في هاتفه الخلوي وينتهي الأمر”.”
لدى هدى وهي طالبة اعلام في الجامهة اللبنانية وجهة نظر مختلفة، فهى تعايد أقرباءها وأصدقاءها عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتطبيقات المحادثة فقط، تقول: “أنا أواكب العصر والتكنولوجيا، ولا أحب الزيارات العائلية لأنني أشعر بملل نوعا ما، فما الفارق إن أرسلت معايدة لأقربائي عبر تطبيق “الواتساب” وإن زرتهم؟ النتيجة نفسها بالنسبة لي، فأنا لا أحب أن أدور على منازل أقربائي بل أفضل الخروج مع أصدقائي في العيد الى المقاهي والمطاعم”.”
وبين من يردد المثل الدارج “من ذكرك ما حقرك” وبين من يعبر بغضب عن ضجيج الرسائل الجماعية عبر الواتساب، وبين ما قدَمت التقنية والثورة المعلوماتية والطفرة الإلكترونية التي اجتاحت العالم وأصبح الفرد أسيراً لها ولخدماتها لانها في الوقت نفسه أضرّت به وقتلت أواصر العلاقات والزيارات العائلية.
مع حلول العيد، لا يسعنا القول أنه وأن اختلفت الأعياد بتغير العادات وتقلب ظروف الزمن لكن يبقى العيد شعيرة والفرح به واجب دون أن تمتزج بها مشاعر التكلف والتصنع.
بقلم سهى م ديماسي