أشارت العديد من الدراسات إلى أن الغازات الناتجة عن حرق الإطارات في الشوارع والأحياء السكنية، تتسبب في العديد من الأمراض وأبرزها سرطان الرئة والأمراض التنفسية وانقباض الصدر وتضيق القصبات الهوائية، وأجمع الأطباء على أن الغازات السامة المنبعثة من حرق الإطارات تؤثر سلباً على الصحة العامة، مشيرين إلى أن أضرارها تشمل صعوبات في التنفس خاصة للمصابين بالربو، وقد تتسبب بالوفاة، وذلك لأن إطار السيارة يتكون من المطاط الصناعي المصنّع من مركبات البنزين ومشتقاته والكربون الأسود والكبريت وأكسيد الزنك والشمع والفولاذ، وعند احتراقه يبعث غاز أول أكسيد الكربون ومعادن ثقيلة ومواد عضوية متطايرة وجزيئات صغيرة تدخل الجهاز التنفسي وتترسب في أعماق الرئة، ما يترتب عليها آثاراً ضارة وخطيرة على المدى البعيد. وإن أكثر الفئات قابلية لأضرار هذه المواد هم الأطفال والأجنة في أرحام أمهاتهم والرضع والمسنين ومرضى الربو، ومن يعانون من ضعف في الجهاز المناعي لأي سببٍ كان.
وللتعرف على المخاطر البيئية والصحية التي تتعرض لها بيئة البحرين وصحة المواطنين والمقيمين جراء هذه الظاهرة كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور عادل الزياني المدير العام لحماية البيئة والحياة الفطرية، الذي أكد على أن حرق الإطارات يتسبب في إطلاق كميات هائلة من الغبار والدخان والرماد عند حرق النفايات والإطارات، فضلا عن الغازات السامة والانبعاثات التي تؤثر على الغلاف الجوي والصحة العامة بشكل خطير وتولد المزيد من التلوث في التربة والمياه الجوفية والهواء، وللأسف فان الكثير من الناس يعتقدون بأن حرق النفايات والإطارات ليست سوى مصدر إزعاج للجمهور، وهي عملية تولد فقط «دخان» وليس لمثل هذه الممارسات تأثير واضح على البيئة والصحة والسلامة، لكن الحقيقة غير ذلك لكون الأفراد الذين يعيشون أو يعملون في مناطق تكثر فيها مثل تلك الممارسات هم عرضة للعديد من الملوثات المسببة للسرطان لأنهم يتنفسون دخان وأبخرة حرق النفايات والإطارات. وأشار الدكتور الزياني إلى أن السموم الضارة المنبعثة من حرق النفايات في العراء والإطارات تشمل مركبات الديوكسين، والتي تولد الملوثات بكميات كبيرة نظرا لدرجات حرارة الاحتراق المنخفضة وقلة توزيع الهواء، وقد تم تحديد الحرق المكشوف للمخلفات الصلبة من قبل وكالة حماية البيئة الأمريكية (US-EPA) على أنه «أكبر مصدر من حيث الكمية» لانبعاث الديوكسين، وهي مادة شديدة السمية حتى عند انبعاثها بمستويات منخفضة للغاية، وترتبط بمشاكل صحية خطيرة على البشر، حيث تلعب الدور الرئيسي المسبب لمرض السرطان من خلالها تشكيل الأورام الخبيثة، ولها تأثيرات سلبية على النمو والتكاثر. وأضاف المدير العام لحماية البيئة والحياة الفطرية أنه يمكن للديوكسين والفوران والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات المنبعثة من حرق النفايات ولإطارات في الأماكن المفتوحة الانتقال لمسافات طويلة لتستقر على المواد الغذائية والمحاصيل الزراعية والمراعي، وبإمكانها أيضا التتراكم في السلسلة الغذائية، وتلويث اللحوم والألبان وغيرها من المنتجات التي يستهلكها البشر وهذا يؤدي إلى تلوث غذائي، ومصطلح «الديوكسين» يشير إلى أسرة مكونة من نحو 70 مادة كيميائية شديدة السمية، بما في ذلك بولي الديوكسينات ثنائي البنزين المكلورة (PCDDs)، وبولي كلوريد بنزو الفيورانات (PCDFs)، وثنائي الفينيل متعدد الكلور (PCBs)، والتي عندما تتغلغل في البيئة فهي لا تختفي ولكنها تتراكم في دهون الحيوانات والبشر، ومعظم الناس لديها مستويات من الديوكسين المتراكم في أنسجتهم على مدى حياتهم، وقد كشفت البحوث أنه لا يوجد مستوى آمن من التعرض إلى الديوكسين، وحتى عند مستويات منخفضة للغاية، كما تترتب عليه مجموعة واسعة من الآثار الصحية الخطيرة الممكنة بما في ذلك ضعف الإخصاب، والعجز، والإصابات المرتبطة بالنمو، وأمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب. وأوضح الدكتور الزياني أنه ينبعث من الدخان الناتج عن حرق النفايات والإطارات ملوثات هواء أخرى تشمل ثاني أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين، ويتضمن أيضا كميات كبيرة من أكثر من 20 ملوثا خطرا، بما في ذلك البنزين والرصاص والزرنيخ والكادميوم والكروم والزئبق، وتلك المواد قادرة على إتلاف الجهاز التنفسي والجهاز العصبي والكلى والكبد للأشخاص الذين عن القرب لتلك الانبعاثات أو تعرضوا لها نتيجة انتقال الأدخنة لهم بسبب سرعة الرياح واتجاهها، وبالتالي لا يتأثر الناس في المناطق القريبة من الحريق ولكن يتأثر المارة أيضا بسبب الكم الهائل من التلوث، حيث أن الآثار الصحية الناجمة عن النفايات والإطارات المشتعلة تتراوح بين الصداع والدوار وصعوبات في التنفس وتسارع نبضات القلب وعدوى الجهاز التنفسي وتلف الكبد والكلى والسرطان وحتى الموت، مؤكداً أن الإطارات ليست مصممة للحرق لأنها تحتوي على مكونات خطرة، فالمطاط في الإطارات يحتوي على زيوت بنسبة 25٪ مستمدة من البنزين، والستايرين بنسبة 25٪، وهو مشتق من مادة البنزين أيضا، و25٪ 1،3 من البيوتاديين، وكل من مادة البنزين والبيوتاديين مسببة لمرض السرطان. وأضاف المدير العام لحماية البيئة والحياة الفطرية أن الدراسات بينت أن الانبعاثات في الهواء نتيجة حرق النفايات والإطارات في الأماكن المفتوحة تكون أكثر سمية من تلك التي يتم إحراقها في الأماكن المخصصة لحرقها، فاعتمادا على طول ودرجة التعرض لتلك الانبعاثات تزيد الآثار الصحية التي تشمل تهيج في الجلد والعينين والأغشية المخاطية، ومشاكل الجهاز التنفسي والجهاز العصبي والاكتئاب والسرطان، حيث ينتقل الدخان بسهولة عبر الأحياء في المجتمعات الصغيرة والتجمعات المزدحمة والمباني الشاهقة، ويؤثر على كل أولئك الذين يستنشقونه، ويترك هذا الدخان آثار صحية ضارة بعيدة المدى، فلدخان الصادر عن حرق النفايات والإطارات على مستوى سطح الأرض أو قريبا من الأرض يؤثر مباشرة على صحة أولئك الذين يجرون عمليات الحرق وعلى أسرهم والجيران وحتى المارة. وحول الآثار السلبية لحرق الإطارات على الأمن في المجتمع كان لنا هذا اللقاء مع العقيد إبراهيم الشيب مدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية، حيث أكد على أن حرق الإطارات ظاهرة سلبية غريبة على المجتمع البحريني انجر إليها المخربون وأصحاب النوايا السيئة للإساءة إلى صورة المملكة لدى العالم تحت غطاء حرية التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور، غير أن هذا الفعل الغير الحضاري والذي تجرمه القوانين في جميع دول العالم سواءً المتقدمة منها أو النامية، وهذا الفعل لا يعد صورة من صور حرية إبداء الرأي لتعارضه مع حريات وأمن وسلامة الآخرين في المجتمع، ويعاقب القانون البحريني عليها لما لها من تأثير سلبي على إعاقة حركة سير المركبات، وتطيل مصالح المواطنين والمقيمين، بالإضافة إلى تعريض حياة الآخرين للخطر، والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة وتعريضها للإتلاف. وأشار العقيد الشيب إلى دور الذي يقوم به رجال الشرطة حال تلقيهم بلاغا أو اكتشافهم لهذا الجرم، حيث يقومون بإطفاء الحريق وإزالة ما تبقى من الإطارات عن طريق، وذلك لتأمين السلامة لمستخدمي الطريق وانسيابية الحركة المرورية، وإذا تم القبض على مرتكبي هذا الفعل يتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم وعرضهم على النيابة العامة التي تباشر معهم اختصاصها من تحقيق والإحالة إلى المحاكم المختصة، حيث بلغت عدد القضايا المسجلة بمديرية شرطة المحافظة الشمالية وحدها خلال الخمسة أشهر الماضية 210 قضايا حرق إطارات فقط ناهيك عن حرق الحاويات والمخلفات والأخشاب والممتلكات العامة والخاصة بقصد الشغب والتخريب. وأوضح العقيد الشيب أن هناك العديد من القوانين التي تعاقب على هذا الفعل كقانون المرور وقوانين البيئة، بالإضافة إلى قانون العقوبات البحريني الذي نص على مواد بالإمكان توصيفها لهذا الجرم وذلك طبقا للظروف المحيطة به، ففي المادة 277 والتي نصت على أنه (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات من أشعل حريقا من شأنه تعريض حياة الناس أو أموالهم للخطر، في مال ثابت أو منقول ولو كان مملوكا له)، والمادة 284 نصت على (يعاقب بالسجن من عرض للخطر عمداً وسيلة من وسائل النقل العام البرية أو الجوية أو المائية أ, عطل سيرها بأية طريقة)، والمادة 285 (إذا نشأ عن الفعل المنصوص عليه في المواد السابقة موت شخص عوقب الجاني بالإعدام أو السجن المؤبد)، والمادة 286 (يعاقب بالحبس من عرض للخطر عمداً سلامة وسيلة من وسائل النقل الخاص بأي طريقة كانت، وتكون العقوبة السجن إذا نشأ عن ذلك موت شخص). وأضاف العقيد الشيب أن أعمال حرق الحاويات والمواد المطاطية كالإطارات لها أضرار كبيرة على صحة الإنسان، فانبعاث الأدخنة الناتجة عن الحرق تحتوى على العديد من الغازات السامة كأول أكسيد الكربون وأكاسيد النتروجين والكبريت، كما تحتوي على جسيمات هيدروكربونية متناهية الصغر تؤدي إلى أمراض الربو والالتهابات الرئوية، بالإضافة إلى غازات الدايوكسين والفيرون التي تبعث عند احتراق المطاط والمواد البلاستيكية في العراء والتي تؤدي إلى أمراض القلب وزيادة في معدلات السرطان. وفي الختام أكد العقيد إبراهيم الشيب مدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية على أن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب أن يتفهم المجتمع أن حدود الحرية الشخصية تنتهي عند التعدي على الآخرين والبيئة المحيطة، وندعوا أفراد الجميع إلى تفهم الأضرار والتبعيات التي تنتج عنها هذه الأفعال، حيث أن مثل هذه الأعمال تستدعي من الجميع التكاتف لوقفها لأنها تخالف القانون وتؤثر على صحة الإنسان والمجتمع وأمنهما واستقرارهما وازدهارهما.
الايام